مقالة الأصدقاء على مستوى الأجساد الخمسة

خلونا نتفق على قاعدة مهمة:

أكثر ما نتطوّر ونتعلم منه في الحياة هو علاقاتنا. ومع كل نية نطلقها لتعلم جديد، أو ارتقاء جديد، تقودنا لعلاقات جديدة. لأن الكون يرسل لنا رسائل من خلال الناس. كل شخص يدخل حياتك يحمل رسالة، أحيانًا بالحب، وأحيانًا بالألم. لكن الرسالة دائمًا تخدم وعيك، مهما كان شكلها الخارجي.

مو كل صديق يظهر في حياتك بيشبه الثاني، لأننا ما نعيش بأجسادنا فقط، بل بخمس طبقات من وجودنا:

الجسد المادي، الشعوري، العقلي، الطاقي، والروحي. وبالتالي، صداقاتنا تتنوع بحسب أي جسد” منها يتفاعل أولًا، مع مراعات المستوى التذبذبي للوعي لكل شخص

  1. صداقة الجسد المادي

هي الصداقات اللي تتكوّن بحكم المكان أو الظروف، زي بنت الجيران اللي بيتها ملاصق لكم، أو زميلتك بالعمل اللي تشوفينها يوميًا. أنتم مو بالضرورة تشبهون بعض، لكن الحياة حطّتكم بنفس المساحة. صداقة الجسد المادي تبدأ وتستمر غالبًا طول ما البيئة موجودة، وتبدأ تخفت أو تنتهي لو تغيرت الظروف: استقالة، انتقال، زواج، سفر…

هي صداقة اللحظة، لكنها أحيانًا تترك أثر حتى بعد غيابها، وهنا مستوى تذبذب الوعي بين الصديقين ونوع العقد الروحي غالبًا ممكن يكون متفاوت بين الطرفين وغير متكافئ.

  1. صداقة الجسد الشعوري

هنا، يبدأ القلب يتكلم. هذي الصداقة اللي تحس فيها بالأمان إنك تعبر، تشتكي، تضحك، تبكي، تنهار، بدون خوف. هم اللي يكونون حضنك في الأوقات الصعبة. يعرفون كيف يحتوونك، حتى لو ما فهموا كل أبعادك. لكنهم مو بالضرورة يشاركونك نفس العقلية أو الاهتمامات، وممكن لا يفهمون سعيك أو تغييراتك العميقة، بس يكفونك في لحظة، وهذا يكفي.

  1. صداقة الجسد العقلي (الفكري)

هنا تبدأ الأسئلة…

هذي الصداقة تصير غالبًا في الجامعة، أو حتى من خلال بداية رحلتك بالتشافي مع مجموعة من الأشخاص تلتقي فيهم بدورات معينة أو من خلال نقاشات تشبهك ببرامج التواصل الاجتماعي.

نفس المعتقدات، نفس الفضول، نتشارك فيها الأفكار، نحلل، نتجادل، ونستمتع بكلام ما ينتهي. أصدقاء الفكر يفهمونك من زاوية العقل، ويحركون فيك تفكير ما كنت تلاحظه.

لكن… لو تغيرت أفكارك، أو نضجت بشكل مختلف، قد تبدأ تحس فجوة، وقد يصير التواصل صعب. هل تتذكر أفكارك قبل ٥ سنين؟ قد ايش تغيرت؟

لذلك مو غريب إن بعض صداقات الفكر تبهت مع الزمن، أو تفرق الطرق معهم.

  1. صداقة الجسد الطاقي

هنا ندخل عالم أعمق.

تدخل مكان وتحس بطاقة شخص، ترتاح له أو تنفر منه بدون سبب واضح. هذي الصداقة تكون مبنية على ترددات غير منطوقة. تشعر فيها إن فيه بينكم “تناغم غريب”، أو أحيانًا إن الشخص مرايتك، يطلع لك كل شي فيك، حتى لو ما قصد.

أصدقاء الطاقة يحركون شيء داخلك، يوقظون، ينظّفون، وقد يرحلون فجأة، لأن دورهم انتهى، لكن تأثيرهم يبقى، لأنهم لمَسوا شيء عميق. وبينكم تواصل عالي على المستوى الأثيري، سواء أحلام، أحلام مشتركة، تخاطر بتزامن عالي.

  1. صداقة الجسد الروحي

وهنا تصمت كل الأبعاد الأخرى! لأن هذه الصداقة مقدّسة. روحين تلاقوا وتذكّروا بعض، يمكن من بُعد آخر، أو من عهد أعمق. مع هذا الشخص، ما تحتاج تشرح، ما تحتاج تبرر، هو يشوفك من الداخل، يلمس جوهر روحك، ويحبك وأنت في قمتك أو قاعك، ويذكّرك بنفسك لما تنساها.

حتى لو ما كان حاضر دائمًا، هو معك، بصوته، بدعائه، بطاقة حبه. وهذه الصداقة لا تنتهي، لأنها صلة روح بروح، وما يشبهها شيء، وغالبًا مستوى الترددي للوعي متناغم وعقود روحية محبة مثل أن يكون من أسرة الروح القريبة أو الثانوية!

ختامًا…

مو كل الصداقات تُروى من نفس الكأس. فيه من ينعشك بلحظة، وفيه من يغيّرك للأبد. تعلّم تستقبلهم كلهم، وتفرّق بينهم دون حُكم. ولا تتمسك بمن كان له دور وانتهى، ولا تنكر أثر من حضر ومرّ عابرًا. كل صديق في رحلتك، هو جزء من وعيك يُذكّرك بشيءٍ عنك. استقبلهم بود، وودّعهم بامتنان. وكن أنت أيضًا صديقًا نبيلاً، في كل بُعد.